فصل: (وَاجِبَاتُ الحجِّ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.(وَوُقُوفٌ بِعَرَفَةَ):

لِحَدِيثِ «الْحَجُّ عَرَفَةَ، فَمَنْ جَاءَهُ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ لَيْلَةَ جَمْعٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ»، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

.(وَطَوَافُ زِيَارَةٍ):

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (فَلَوْ تَرَكَهُ) أَيْ: طَوَافَ الزِّيَارَةِ، وَأَتَى بِغَيْرِهِ مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ (وَخَرَجَ مِنْ مَكَّةَ) وَلَمْ يَبْعُدْ عَنْهَا (رَجَعَ) إلَيْهَا (مُعْتَمِرًا) فَأَتَى بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ مِنْ سَعْيٍ وَطَوَافِ زِيَارَةٍ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَ. (وَيَتَّجِهُ): أَنَّهُ إنَّمَا يَرْجِعُ مُعْتَمِرًا (إنْ بَعُدَ) عَنْ مَكَّةَ مَسَافَةً قَصِيرَةً فَأَكْثَرَ، فَإِنْ كَانَ وَطِئَ أَحْرَمَ مِنْ التَّنْعِيمِ أَوْ غَيْرِهِ وَطَافَ وَسَعَى لِعُمْرَتِهِ، وَحَلَقَ أَوْ قَصَّرَ مِنْ إحْرَامٍ، وَعَلَيْهِ دَمٌ لَوَطِئَهُ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ لَا رَيْبَ فِيهِ إذْ قَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِيهِ.
(وَأَرْكَانُ عُمْرَةٍ) ثَلَاثَةٌ:
(إحْرَامٌ) بِهَا لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَجِّ (وَطَوَافٌ وَسَعْيٌ) كَانَ كَالْحَجِّ. (وَوَاجِبَاتُهَا) أَيْ: الْعُمْرَةِ (شَيْئَانِ: حَلْقٌ أَوْ تَقْصِيرٌ، وَإِحْرَامٌ مِنْ الْحِلِّ) كَالْحَجِّ (فَمَنْ تَرَكَ الْإِحْرَامَ لَمْ يَنْعَقِدْ نُسُكُهُ) حَجًّا كَانَ أَوْ عُمْرَةً، لِمَا تَقَدَّمَ. (وَمَنْ تَرَكَ رُكْنًا غَيْرَهُ) أَيْ: الْإِحْرَامِ (لَمْ يَتِمَّ نُسُكُهُ) إلَّا بِهِ (أَوْ) تَرَكَ (شَرْطًا فِيهِ) أَيْ: فِي الرُّكْنِ كَالنِّيَّةِ حَيْثُ اُعْتُبِرَتْ فِيهِ كَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ (لَمْ يَتِمَّ نُسُكُهُ إلَّا بِهِ) أَيْ: بِذَلِكَ الرُّكْنِ بِنِيَّتِهِ.

.[وَاجِبَاتُ الحجِّ]:

(وَوَاجِبَاتُهُ) أَيْ: الْحَجُّ ثَمَانِيَةٌ:

.[الأول: الإحْرَامُ مِن الْمِيقَاتِ]:

(إحْرَامٌ مِنْ مِيقَاتٍ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَوَاقِيتِ.

.[الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ]:

(وَوُقُوفُ مَنْ وَقَفَ) بِعَرَفَةَ (نَهَارًا لِلْغُرُوبِ) أَيْ: لِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَلَوْ غَلَبَهُ نَوْمٌ بِعَرَفَةَ.

.[الْمَبِيتُ بِمُزْدَلِفَةَ]:

(وَمَبِيتٌ بِمُزْدَلِفَةَ لِبَعْدِ نِصْفِ لَيْلٍ إنْ وَافَاهَا) أَيْ: مُزْدَلِفَةَ (قَبْلَهُ) أَيْ: نِصْفِ اللَّيْلِ، وَتَقَدَّمَ مُوَضَّحًا.

.[الْمَبِيتُ بِمِنًى]:

(وَمَبِيتٌ بِمِنًى) لَيَالِيَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمْرِهِ بِهِ.

.[رَمْيُ الْجِمَارِ]:

(وَرَمْيٌ) لِلْجِمَارِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مُفَصَّلًا.

.[الترتيبُ]:

وَكَوْنُهُ (مُرَتَّبًا) وَتَقَدَّمَ أَيْضًا.

.[الْحَلْقُ أَوْ التَّقْصِيرُ]:

(وَحَلْقٌ أَوْ تَقْصِيرٌ).

.[طَوَافُ الْوَدَاعِ]:

(وَطَوَافُ وَدَاعٍ وَهُوَ الصَّدْرُ) بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ، وَقَدَّمَ الزَّرْكَشِيُّ وَتَبِعَهُ فِي الْإِقْنَاعِ: أَنَّ طَوَافَ الصَّدَرِ هُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ.
(وَقَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (طَوَافُ الْوَدَاعِ لَيْسَ مِنْ الْحَجِّ، وَإِنَّمَا هُوَ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ، وَهُوَ) أَيْ: قَوْلُ الشَّيْخِ (أَظْهَرُ) وَتَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. (فَمَنْ تَرَكَ وَاجِبًا وَلَوْ سَهْوًا أَوْ جَهْلًا) لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ (فَعَلَيْهِ دَمٌ) بِتَرْكِهِ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَتَقَدَّمَ (فَإِنْ عَدَمَهُ) أَيْ: الدَّمِ (فَكَصَوْمِ مُتْعَةٍ) يَصُومُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، ثَلَاثَةٌ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةٌ إذَا رَجَعَ وَتَقَدَّمَ فِي الْفِدْيَةِ. (وَيَتَّجِهُ: مِنْهُ) أَيْ: مِنْ كَوْنِ مَنْ تَرَكَ وَاجِبًا فَعَلَيْهِ دَمٌ لَوْ تَحَلَّلَ مَنْ تَرَكَ وَاجِبًا التَّحَلُّلَ الْأَوَّلَ بِالرَّمْيِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ، وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ سِوَى الْحَلْقِ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ الْحَلْقَ لَا حَدَّ لِآخِرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ، فَعَلَيْهِ دَمٌ، فَإِذَا أَخْرَجَ الدَّمَ سَقَطَ عَنْهُ وُجُوبُ الْحَلْقِ، وَحِينَئِذٍ (لَا شَيْءَ عَلَى فَاعِلِ مَحْظُورٍ) مِنْ مُبَاشَرَةٍ وَوَطْءٍ (قَبْلَ حَلْقِهِ) لِأَنَّ إخْرَاجَهُ الدَّمَ قَامَ مَقَامَ الْحَلْقِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا خَفَاءَ فِيهِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: (لَكِنَّهُ يَحْرُمُ) عَلَيْهِ فِعْلُ شَيْءٍ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ، أَيْ: قَبْلَ الْحَلْقِ، فَفِيهِ خَفَاءٌ، لِأَنَّ الْفِدْيَةَ قَامَتْ مَقَامَ الْحَلْقِ، نَعَمْ: لَوْ وَطِئَ قَبْلَ الْحَلْقِ وَقَبْلَ الْفِدْيَةِ لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ، لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَطِئَ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الثَّانِي.

.[سنن الحجِّ]:

(وَالْمَسْنُونُ) مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَأَقْوَالِهِ (كَمَبِيتٍ بِمِنًى لَيْلَةَ عَرَفَةَ وَطَوَافِ قُدُومٍ وَرَمَلٍ وَاضْطِبَاعٍ) فِي مَوَاضِعِهَا (وَتَلْبِيَةٍ وَاسْتِلَامٍ الرُّكْنَيْنِ وَتَقْبِيلِ الْحَجَرِ) الْأَسْوَدِ (وَمَشْيٍ وَسَعْيٍ فِي مَوَاضِعِهِمَا، وَخُطَبٍ وَأَذْكَارٍ وَدُعَاءٍ وَرُقِيٍّ بِصَفَا وَمَرْوَةَ، وَاغْتِسَالٍ وَتَطَيُّبٍ فِي بَدَنٍ، وَصَلَاةٍ قَبْلَ إحْرَامٍ، وَ) صَلَاةٍ (عَقِبَ طَوَافٍ وَاسْتِقْبَالِ قِبْلَةٍ عِنْدَ رَمْيٍ) لِجِمَارٍ، وَتَقَدَّمَ جَمِيعُ ذَلِكَ مُفَصَّلًا (وَلَا شَيْءَ فِي تَرْكِ ذَلِكَ كُلِّهِ) لَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ، وَلَا الِاسْتِحْبَابِ، لِعَدَمِ وُرُودِهِ. (وَيَجِبُ) ذَلِكَ كُلُّهُ (بِنَذْرٍ) لِحَدِيثِ: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ».
(فَوَائِدُ):
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: (كُرِهَ تَسْمِيَةُ مَنْ لَمْ يَحُجَّ صَرُورَةً) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا صَرُورَةَ فِي الْإِسْلَامِ» وَ(لِأَنَّهُ اسْمٌ جَاهِلِيٌّ، وَ) يُكْرَهُ (قَوْلُ: حَجَّةِ الْوَدَاعِ، لِأَنَّهُ اسْمٌ عَلَى أَنْ لَا يَعُودَ وَقَوْلُ: شَوْطٌ، بَلْ) يُقَالُ: (طَوْفَةٌ وَطَوْفَتَانِ. وَيُعْتَبَرُ فِي وِلَايَةِ أَمِيرِ حَاجٍّ كَوْنُهُ مُطَاعًا ذَا رَأْيٍ وَشَجَاعَةٍ وَهِدَايَةٍ، وَعَلَيْهِ جَمْعُهُمْ وَتَرْتِيبُهُمْ وَحِرَاسَتُهُمْ فِي الْمَسِيرِ، وَالنُّزُولِ وَالرِّفْقِ بِهِمْ، وَالنُّصْحِ) لَهُمْ (وَيَلْزَمُهُمْ طَاعَتُهُ فِي ذَلِكَ، وَيُصْلِحُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ، وَلَا يَحْكُمُ إلَّا إنْ فُوِّضَ إلَيْهِ) الْحُكْمُ، (فَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ أَهْلًا) وَقَالَ الْآجُرِّيُّ: يَلْزَمُهُ عِلْمُ خُطَبِ الْحَجِّ وَالْعَمَلِ بِهَا، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَمَنْ جُرِّدَ مَعَهُمْ وَجُمِعَ لَهُ مِنْ الْجُنْدِ الْمُقَطَّعِينَ مَا يُعِينُهُ عَلَى كُلْفَةِ الطَّرِيقِ أُبِيحَ لَهُ، وَلَا يَنْقُصُ أَجْرُهُ، وَلَهُ أَجْرُ الْحَجِّ وَالْجِهَادِ، وَهَذَا كَأَخْذِهِ بَعْضَ الْإِقْطَاعِ لِيَصْرِفَهُ فِي الْمَصَالِحِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا اخْتِلَافٌ، وَيَلْزَمُ الْمُعْطِيَ بَذْلُ مَا أُمِرَ بِهِ. (وَشَهْرُ السِّلَاحِ عِنْدَ قُدُومِ) الْحَاجِّ الشَّامِيِّ (تَبُوكُ بِدْعَةٌ، زَادَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (مُحَرَّمَةٌ) وَمِثْلُهُ مَا يَفْعَلُهُ الْحَاجُّ الْمِصْرِيُّ لَيْلَةَ بَدْرٍ فِي الْمَحَلِّ الْمَعْرُوفِ بِجَبَلِ الزِّينَةِ، قَالَ: وَمَا يَذْكُرُهُ الْجُهَّالُ مِنْ حِصَارِ تَبُوكَ كَذِبٌ فَلَمْ يَكُنْ بِهَا حِصْنٌ، وَلَا مُقَاتِلَةٌ، فَإِنَّ مَغَازِيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَتْ بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَمْ يُقَاتِلْ فِيهَا إلَّا فِي تِسْعٍ: بَدْرٍ وَأُحُدٍ وَالْخَنْدَقِ وَبَنِي الْمُصْطَلِقِ وَالْغَابَةِ وَفَتْحِ خَيْبَرَ وَفَتْحِ مَكَّةَ وَفَتْحِ حُنَيْنٌ وَالطَّائِفِ.
(وَقَالَ: مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ الْحَجَّ يُسْقِطُ مَا عَلَيْهِ مِنْ صَلَاةٍ وَزَكَاةٍ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ بَعْدَ تَعْرِيفِهِ إنْ كَانَ جَاهِلًا، فَإِنْ تَابَ، وَإِلَّا قُتِلَ، وَلَا يَسْقُطُ حَقُّ آدَمِيٍّ مِنْ مَالٍ أَوْ عِرْضٍ أَوْ دَمٍ بِالْحَجِّ إجْمَاعًا. انْتَهَى). وَقَالَ الدَّمِيرِيِّ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ- «مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ، خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ»- وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِالْمَعَاصِي الْمُتَعَلِّقَةِ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى خَاصَّةً دُونَ الْعِبَادِ، وَلَا تَسْقُطُ الْحُقُوقُ أَنْفُسُهَا، فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ صَلَاةٌ أَوْ كَفَّارَةٌ وَنَحْوُهَا مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى؛ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ لِأَنَّهَا حُقُوقٌ لَا ذُنُوبٌ إنَّمَا الذَّنْبُ تَأْخِيرُهَا، فَنَفْسُ التَّأْخِيرِ يَسْقُطُ بِالْحَجِّ لَا هِيَ نَفْسُهَا، فَلَوْ أَخَّرَهَا بَعْدَهُ تَجَدَّدَ إثْمٌ آخَرَ، فَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ يُسْقِطُ إثْمُ الْمُخَالَفَةِ لَا الْحُقُوقَ، قَالَهُ فِي الْمَوَاهِبِ. (وَيَتَّجِهُ: وَحَدِيثُ «الْحَجُّ يُكَفِّرُ حَتَّى التَّبَعَاتِ» مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ) صَمَّمَ عَلَى التَّنَصُّلِ مِنْهَا ثُمَّ (مَاتَ قَبْلَ تَمَكُّنٍ مِنْ قَضَائِهَا، وَاحْتَمَلَ) تَكْفِيرُهَا عَنْهُ بِالْحَجِّ (وَلَوْ لَمْ يَتُبْ) مِنْهَا (وَإِلَّا) يُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ (فَلَا مَزِيَّةَ لِلْحَجِّ، لِأَنَّ التَّوْبَةَ) النَّصُوحَةَ الْمُسْتَوْفِيَةَ لِلشُّرُوطِ (بِدُونِهِ) أَيْ: الْحَجِّ (كَذَلِكَ) أَيْ: تُكَفِّرُ مَا قَبْلَهَا حَتَّى التَّبَعَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ مَنْ تَابَ، فَمَاتَ قَبْلَ تَمَكُّنِهِ مِنْ قَضَائِهَا.
(وَ) يَتَّجِهُ: (أَنَّ مِثْلَهُ) أَيْ: الْحَجِّ الْمَبْرُورِ (الشَّهَادَةُ) فِي سَبِيلِ اللَّهِ إذَا قَصَدَ إعْلَاءَ كَلِمَةِ اللَّهِ فَاسْتُشْهِدَ، فَتَكُونُ الشَّهَادَةُ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنْ التَّبَعَاتِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، إذْ حُقُوقُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَوَقَعَ خُلْفٌ) بَيْنَ عُلَمَائِنَا وَغَيْرِهِمْ قَدِيمًا وَحَدِيثًا: (هَلْ الْأَفْضَلُ الْحَجُّ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا)؟ اخْتَارَ الْأَوَّلَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا، وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِمَا يَطُولُ ذِكْرُهُ، وَاخْتَارَ الثَّانِي صَاحِبُ الِانْتِصَارِ وَأَبُو يَعْلَى الصَّغِيرُ فِي مُفْرَدَاتِهِ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي مُثِيرِ الْعَزْمِ السَّاكِنِ إلَى زِيَارَةِ أَشْرَفِ الْأَمَاكِن. (وَيَتَّجِهُ: الْحَجُّ مِنْ مَكَّةَ مَاشِيًا أَفْضَلُ وَلِلْبَعِيدِ) مِنْهَا (رَاكِبًا) أَفْضَلُ (لِحَدِيثِ: «مَنْ حَجَّ مِنْ مَكَّةَ مَاشِيًا حَتَّى يَرْجِعَ إلَى مَكَّةَ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ سَبْعَمِائَةِ حَسَنَةٍ مِنْ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ») وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْحَدِيثَ وَغَيْرَهُ فِي بَابِ صِفَةِ الْحَجِّ، وَهَذَا اتِّجَاهٌ حَسَنٌ وَجَمْعٌ لَطِيفٌ مُسْتَحْسَنٌ. (الْفَوَاتُ): مَصْدَرُ فَاتَهُ يَفُوتُهُ فَوَاتًا وَفَوْتًا، وَهُوَ: (السَّبَقُ) الَّذِي لَا يُدْرَكُ فَهُوَ أَخَصُّ مِنْ السَّبْقِ. (وَالْإِحْصَارُ) مَصْدَرُ أَحْصَرَهُ، أَيْ: حَبَسَهُ، فَهُوَ: (الْحَبْسُ) أَيْ: الْمَنْعُ (فَمَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ فَجْرُ يَوْمِ النَّحْرِ وَلَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ) فِي وَقْفَةٍ (لِعُذْرٍ مِنْ حَصْرٍ أَوْ غَيْرِهِ) أَوَّلًا لِعُذْرٍ (فَاتَهُ الْحَجُّ) ذَلِكَ الْعَامَ، لِقَوْلِ جَابِرٍ: «لَا يَفُوتُ الْحَجُّ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ»، قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: فَقُلْت لَهُ: أَوَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ. وَلِحَدِيثِ: «الْحَجُّ عَرَفَةَ فَمَنْ جَاءَ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ لَيْلَةَ جَمْعٍ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ» فَمَفْهُومُ فَوْتِ الْحَجِّ بِخُرُوجِ لَيْلَةِ جَمْعٍ (وَانْقَلَبَ إحْرَامُهُ) بِالْحَجِّ (عُمْرَةً) نَصًّا فَيَطُوفُ وَيَسْعَى وَيَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ، لِقَوْلِ عُمَرَ لِأَبِي أَيُّوبَ لَمَّا فَاتَهُ الْحَجُّ: اصْنَعْ مَا يَصْنَعُ الْمُعْتَمِرُ، ثُمَّ قَدْ حَلَلْت، فَإِنْ أَدْرَكْت الْحَجَّ قَابِلًا فَحُجَّ، وَأَهْدِ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ فَسْخُ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ مِنْ غَيْرِ فَوَاتٍ، فَمَعَهُ أَوْلَى (إنْ لَمْ يَخْتَرْ بَقَاءَهُ) عَلَى إحْرَامِهِ (لِيَحُجَّ مِنْ) عَامٍ (قَابِلٍ) بِذَلِكَ الْإِحْرَامِ، فَإِنْ اخْتَارَ ذَلِكَ، فَلَهُ اسْتِدَامَةُ الْإِحْرَامِ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْمَشَقَّةِ عَلَى نَفْسِهِ (فَيَتَحَلَّلُ بِهَا) أَيْ: الْعُمْرَةِ، سَوَاءٌ كَانَ قَارِنًا أَوْ غَيْرَهُ، لِأَنَّ عُمْرَةَ الْقَارِنِ لَا يَلْزَمُهُ أَفْعَالُهَا، وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ عُمْرَةٍ عَلَى عُمْرَةٍ إذَا لَزِمَهُ الْمُضِيُّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا (وَلَوْ لَمْ يَنْوِهِ) أَيْ: التَّحَلُّلَ (وَلَا تُجْزِئُ) هَذِهِ الْعُمْرَةُ الَّتِي انْقَلَبَ إحْرَامُهُ إلَيْهَا (عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ) نَصًّا، لِحَدِيثِ «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» وَهَذِهِ لَمْ يَنْوِهَا وَ(لِوُجُوبِهَا) عَلَيْهِ (كَمَنْذُورَةٍ) فَلَمْ تُجْزِئْهُ (وَتَسْقُطُ عَنْهُ تَوَابِعُ وُقُوفٍ مِنْ نَحْوِ مَبِيتٍ) بِمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى (وَرَمْيِ) جِمَارٍ، لِفَوَاتِ مَتْبُوعِهَا كَمَنْ عَجَزَ عَنْ السُّجُودِ بِالْجَبْهَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ بِغَيْرِهَا. (وَعَلَى مَنْ) فَاتَهُ الْوُقُوفُ وَ(لَمْ يَتَحَلَّلْ قَبْلَ فَوْتٍ) كَمَا لَوْ قَدِمَ مَكَّةَ آخِرَ لَيْلَةِ النَّحْرِ، وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُصُولُ لِعَرَفَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَنْ يَتَحَلَّلَ مَعَ تَحَقُّقِ الْفَوَاتِ. (بِنَحْوِ عُمْرَةٍ) وَلَا يَلْزَمُ قَضَاءُ نَفْلٍ، وَهَذَا مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَكَأَنَّهُ قَاسَهُ عَلَى الْمُحْصَرِ، وَلَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ، لَكِنْ عِبَارَاتُهُمْ لَا تُسَاعِدُهُ (وَ) عَلَى مَنْ (لَمْ يَشْتَرِطْ أَوَّلُ إحْرَامِهِ) بِأَنْ لَمْ يَقُلْ فِي ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِ: وَإِنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ فَمَحِلِّي حَيْثُ حَبَسَتْنِي (قَضَاءُ) حَجٍّ فَاتَهُ (حَتَّى النَّفَلُ) لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ فَاتَهُ عَرَفَاتٌ فَقَدْ فَاتَهُ الْحَجُّ وَلْيَتَحَلَّلْ بِعُمْرَةٍ، وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ» وَعُمُومُهُ شَامِلٌ لِلْفَرْضِ وَالنَّفَلِ، وَلِأَنَّ الْحَجَّ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ فَيَصِيرُ كَالْمَنْذُورِ كَسَائِرِ التَّطَوُّعَاتِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْحَجُّ مَرَّةٌ»، فَالْمُرَادُ بِهِ الْوَاجِبُ بِأَصْلِ الشَّرْعِ، وَهَذَا إنَّمَا وَجَبَ بِإِيجَابِهِ لَهُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ كَالْمَنْذُورِ، وَأَمَّا الْمُحْصَرُ فَإِنَّهُ غَيْرُ مَنْسُوبٍ إلَى تَفْرِيطٍ بِخِلَافِ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ (وَ) عَلَى مَنْ لَمْ يَشْتَرِطْ أَوَّلًا (هَدْيُ) شَاةٍ أَوْ سُبْعِ بَدَنَةٍ أَوْ سُبْعِ بَقَرَةٍ (أَوْ نَحْوِهِ) أَيْ: الْهَدْيِ، مِنْ إطْعَامٍ عَلَى مَا يَأْتِي (مِنْ وَقْتِ الْفَوَاتِ) سَوَاءٌ سَاقَهُ أَوْ لَا، نَصَّ عَلَيْهِ (يُؤَخِّرُهُ لِلْقَضَاءِ) يَذْبَحُهُ فِيهِ، لِأَنَّهُ حَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ قَبْلَ تَمَامِهِ فَلَزِمَهُ هَدْيٌ كَالْمُحْصَرِ (فَإِنْ عُدِمَ) أَيْ: الْهَدْيُ (زَمَنَ وُجُوبِهِ) وَهُوَ طُلُوعُ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ مِنْ عَامِ الْفَوَاتِ (صَامَ كَمُتَمَتِّعٍ) عَشَرَةَ أَيَّامٍ (ثَلَاثَةٌ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٌ إذَا رَجَعَ) أَيْ: فَرَغَ مِنْ حَجِّهِ الْقَضَاءُ، لِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ أَنَّ هَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ حَجَّ مِنْ الشَّامِ، فَقَدِمَ يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا حَبَسَك؟ قَالَ: حَسِبْت أَنَّ الْيَوْمَ يَوْمَ عَرَفَةَ. قَالَ: فَانْطَلِقْ إلَى الْبَيْتِ فَطُفْ بِهِ سَبْعًا، وَإِنْ كَانَ مَعَك هَدِيَّةٌ فَانْحَرْهَا، ثُمَّ إذَا كَانَ قَابِلٌ فَاحْجُجْ، فَإِنْ وَجَدْت سِعَةً فَأَهْدِ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعْت إنْ شَاءَ اللَّهُ. وَمُفْرِدٌ وَقَارِنٌ مَكِّيٌّ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ (وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ) أَيْ: الْأَصْحَابِ (أَنَّ زَمَنَ الْوُجُوبِ) أَيْ: وُجُوبِ الْهَدْيِ عَلَى مَنْ عَدِمَهُ (وَقْتَ الْفَوَاتِ) وَهُوَ طُلُوعُ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ مِنْ عَامِ الْفَوَاتِ (وَالْأَثَرُ) الْمَذْكُورُ آنِفًا (بِخِلَافِهِ) فَلْيُحْفَظْ. (وَلَا يُهْدِي قِنٌّ) فَاتَهُ الْحَجُّ (وَلَوْ أَذِنَ) لَهُ (سَيِّدُهُ) لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ، وَلَوْ مَلَكَ غَيْرُ الْمُكَاتَبِ (فَيَصُومُ) الْقِنُّ الصَّوْمَ الْمَذْكُورَ بَدَلَ الْهَدْيِ، وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا كُلُّ دَمٍ لَزِمَ الْقِنَّ فِي الْإِحْرَامِ لِفِعْلٍ مَحْظُورٍ أَوْ غَيْرِهِ لَا يُجْزِئُهُ عَنْهُ إلَّا الصِّيَامُ. (وَيَجِبُ قَضَاءٌ عَلَى صِفَةِ أَدَاءً، فَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ قَارِنًا، قَضَى قَارِنًا) أَيْ: لَزِمَهُ فِي الْعَامِ الثَّانِي مِثْلُ مَا أَهَلَّ بِهِ أَوَّلًا (وَهُوَ) أَيْ: وُجُوبُ قَضَائِهِ عَلَى صِفَةِ الْأَدَاءِ: (خِلَافُ قَوْلِهِمْ فِي دَمِ التَّمَتُّعِ وَإِذَا قَضَى مُفْرِدًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) فَإِذَا فَاتَهُ النُّسُكُ الْمَفْضُولُ جَازَ قَضَاؤُهُ عَلَى صِفَتِهِ، وَجَازَ قَضَاؤُهُ بِنُسُكٍ أَفْضَلَ مِنْهُ لَا عَكْسَهُ، فَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ قَارِنًا قَضَى قَارِنًا، وَجَازَ مُفْرَدًا وَمُتَمَتِّعًا، وَإِنْ فَاتَهُ أَوْ فَسَدَ النُّسُكُ الْفَاضِلُ لَمْ يَجُزْ الْقَضَاءُ بِالنُّسُكِ الْمَفْضُولِ، فَالْأَفْضَلُ التَّمَتُّعُ، ثُمَّ الْإِفْرَادُ ثُمَّ الْقِرَانُ، فَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ مُتَمَتِّعًا وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ مُتَمَتِّعًا، وَلَمْ يَجُزْ مُفْرِدًا وَلَا قَارِنًا، مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ مُفْرِدًا جَازَ الْقَضَاءُ مُتَمَتِّعًا مُفْرِدًا، وَلَا يَجُوزُ قَارِنًا، وَمَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ قَارِنًا جَازَ الْقَضَاءُ قَارِنًا وَمُتَمَتِّعًا، فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ يَصِحُّ الْقَضَاءُ بِالنُّسُكِ الْفَاضِلِ عَنْ الْمَفْضُولِ، بِخِلَافِ الْعَكْسِ، فَلَوْ خَالَفَ وَأَتَى بِالنُّسُكِ الْمَفْضُولِ قَضَاءً عَنْ الْفَاضِلِ، فَاَلَّذِي يَظْهَرُ صِحَّةُ ذَلِكَ النُّسُكِ، لَكِنْ لَمْ يَزَلْ الْقَضَاءُ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يَقْضِيَهُ بِمِثْلِ نُسُكِهِ الْفَائِتِ أَوْ نُسُكٍ أَفْضَلَ مِنْهُمَا. (وَمَنْ مُنِعَ الْبَيْتَ ظُلْمًا) كَأَنْ يُحْبَسَ بِغَيْرِ حَقٍّ. أَوْ تَأْخُذُهُ اللُّصُوصُ. (وَلَوْ) كَانَ مَنْعُهُ (بَعْدَ الْوُقُوفِ) بِعَرَفَةَ (وَلَمْ يَرْمِ وَ) لَمْ (يَحْلِقْ). إذْ لَوْ كَانَ رَمَى وَحَلَقَ لِتَحَلُّلِ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ. (أَوْ) كَانَ مَنْعُهُ (فِي) إحْرَامِ (عُمْرَةٍ) وَأَرَادَ التَّحَلُّلَ (ذَبَحَ هَدْيًا حَيْثُ أُحْصِرَ) حَلَالًا كَانَ أَوْ حَرَامًا، «لِذَبْحِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ حِينَ حُصِرُوا فِي الْحُدَيْبِيَةِ»، وَهِيَ مِنْ الْحِلِّ وَتَقَدَّمَ. وَيَكُونُ ذَبْحُهُ هُنَاكَ (بِنِيَّةِ التَّحَلُّلِ وُجُوبًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ}, «وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ حِينَ حُصِرُوا بِالْحُدَيْبِيَةِ أَنْ يَنْحَرُوا وَيَحْلِقُوا أَوْ يَحِلُّوا» (فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ) أَيْ: الْهَدْيَ (صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ بِالنِّيَّةِ) أَيْ: نِيَّةِ التَّحَلُّلِ قِيَاسًا عَلَى الْمُتَمَتِّعِ (وَحَلَّ) نَصًّا. (وَيَتَّجِهُ: صِحَّةَ تَتْمِيمِ مَا بَقِيَ) عَلَى مُحْصَرٍ (مِنْ أَرْكَانِ حَجِّهِ) فَيَفْعَلُ ذَلِكَ (بِإِحْرَامٍ ثَانٍ إذَا زَالَ حَصْرُهُ) وَاتَّسَعَ الْوَقْتُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا إطْعَامَ فِي ذَلِكَ) أَيْ: الْإِحْصَارِ، لِعَدَمِ وُرُودِهِ (وَلَا مَدْخَلَ لِحَلْقٍ أَوْ تَقْصِيرٍ) أَيْ: فَلَا يَجِبُ إذْ التَّحَلُّلُ يَحْصُلُ بِدُونِهِ، وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ، قُدِّمَ فِي الْمُحَرَّرِ وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِرَقِيِّ، لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الْوُقُوفِ كَالرَّمْيِ وَالطَّوَافِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ. (خِلَافًا لَهُ) أَيْ: لِصَاحِبِ الْإِقْنَاعِ فَإِنَّهُ جَزَمَ بِوُجُوبِ الْحَلْقِ أَوْ التَّقْصِيرِ تَبَعًا لِمَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَهُوَ مَرْجُوحٌ (وَعِنْدَ بَعْضٍ) مِنْهُمْ الْآجُرِّيُّ (إنْ عَجَزَ عَنْ صَوْمٍ لِعُذْرٍ حَلَّ، ثُمَّ صَامَ بَعْدَهُ) أَيْ: بَعْدَ زَوَالِ الْعُذْرِ، قَالَ الْآجُرِّيُّ: إنَّ عَدِمَ الْهَدْيَ مَكَانَهُ قَدَّمَ طَعَامًا، وَصَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا وَحَلَّ، وَأُحِبُّ أَنْ لَا يَحِلَّ حَتَّى يَصُومَ فَإِنْ صَعُبَ عَلَيْهِ حَلَّ، ثُمَّ صَامَ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ. (وَمَنْ) كَانَ مُحْصَرًا فَ (نَوَى التَّحَلُّلَ قَبْلَ ذَبْحٍ) لِهَدْيٍ وَجَدَهُ (أَوْ صَوْمٍ) عِنْدَ عَدَمِهِ (لَمْ يَحِلَّ) لِفَقْدِ شَرْطِهِ، وَهُوَ الذَّبْحُ أَوْ الصَّوْمُ بِالنِّيَّةِ، وَاعْتُبِرَتْ النِّيَّةُ فِي الْمُحْصَرِ دُونَ غَيْرِهِ، لِأَنَّ مَنْ أَتَى بِأَفْعَالِ النُّسُكِ أَتَى بِمَا عَلَيْهِ، فَحَلَّ بِإِكْمَالِهِ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى نِيَّةٍ، بِخِلَافِ الْمُحْصَرِ، فَإِنَّهُ يُرِيدُ الْخُرُوجَ مِنْ الْعِبَادَةِ قَبْلَ إكْمَالِهَا فَافْتَقَرَ إلَى نِيَّةٍ (وَلَزِمَهُ دَمٌ لِكُلِّ مَحْظُورٍ) فَعَلَهُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ (وَ) لَزِمَ مِنْ تَحَلُّلٍ قَبْلَ الذَّبْحِ وَالصَّوْمِ (دَمٌ لِتَحَلُّلِهِ بِالنِّيَّةِ) صَحَّحَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ هُنَا: إنَّهُ الْمَذْهَبُ. وَقَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: لَزِمَهُ دَمٌ خِلَافًا لِلْمُوَفَّقِ وَيَأْتِي، وَمَا جَزَمَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى فِيمَا سَبَقَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِرَفْضِهِ الْإِحْرَامَ فَهُوَ فِي غَيْرِ الْمُحْصَرِ لِإِلْغَاءِ رَفْضِهِ، وَلُزُومِ أَفْعَالِ الْحَجِّ، وَهَذَا فِي الْمُحْصَرِ الْمَمْنُوعِ مِنْ تَتْمِيمِ أَفْعَالِ الْحَجِّ، فَإِذَا عَدَلَ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ مِنْ هَدْيٍ أَوْ صَوْمٍ، لَزِمَهُ دَمٌ. (وَفِي الْمُغْنِي، والشَّرْحِ لَا): يَلْزَمُهُ دَمٌ، (لِعَدَمِ تَأْثِيرِهِ) أَيْ: رَفْضِ الْإِحْرَامِ، لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ نِيَّةٍ، فَلَا يَكُونُ مُؤَثِّرًا، وَمُعْظَمُ الْأَصْحَابِ عَلَى خِلَافِهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا. (وَلَا قَضَاءَ عَلَى مُحْصَرٍ تَحَلَّلَ قَبْلَ فَوْتِ حَجٍّ) جَزَمَ بِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى وَلَمْ يُقَيِّدْهُ فِي الْإِقْنَاعِ بِقَبْلِ فَوْتِ الْحَجِّ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ الْإِشَارَةُ إلَى خِلَافِهِ. (وَمِثْلُهُ) أَيْ: مِثْلُ الْمُحْصَرِ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الْقَضَاءِ (مَنْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ) قَالَهُ فِي الِانْتِصَارِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَتَحَلَّلْ حَتَّى فَاتَهُ الْحَجُّ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ (لَكِنْ مَنْ أَمْكَنَهُ فِعْلُ الْحَجِّ ذَلِكَ الْعَامَ لَزِمَهُ) فِعْلُهُ (وَإِلَّا). يُمْكِنْهُ فِعْلُهُ ذَلِكَ الْعَامَ (فَلَا) يَلْزَمُهُ فِعْلُهُ (فَلَوْ أُحْصِرَ فِي) حَجٍّ (فَاسِدٍ) فَلَهُ التَّحَلُّلُ مِنْهُ بِذَبْحِ هَدْيٍ إنْ وَجَدَهُ أَوْ صَوْمٍ إنْ عَدِمَهُ كَالصَّحِيحِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ (وَتَحَلَّلَ، ثُمَّ) زَالَ الْحَصْرُ وَفِي الْوَقْتِ سِعَةٌ، وَ(أَمْكَنَهُ) الْقَضَاءُ (فَلَهُ الْقَضَاءُ فِي عَامِهِ) ذَكَرَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَغَيْرِهِ، لِأَنَّ الْقَضَاءَ وَاجِبٌ فَوْرًا، فَمَتَى أَمْكَنَهُ الْإِتْيَانُ بِهِ لَزِمَهُ، قَالَ الْمُوَفَّقُ وَجَمَاعَةٌ: وَلَيْسَ يُتَصَوَّرُ الْقَضَاءُ فِي الْعَامِ الَّذِي أُفْسِدَ الْحَجُّ فِيهِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. (وَمَنْ صُدَّ عَنْ عَرَفَةَ) دُونَ الْحَرَمِ (فِي حَجٍّ، تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ مَجَّانًا) أَيْ: وَلَمْ يَلْزَمْهُ بِهِ دَمٌ، لِأَنَّ قَلْبَ الْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ مُبَاحٌ بِلَا حَصْرٍ. فَمَعَهُ أَوْلَى، فَإِنْ كَانَ قَدْ طَافَ، وَسَعَى لِلْقُدُومِ، ثُمَّ أُحْصِرَ أَوْ مَرِضَ أَوْ فَاتَهُ الْحَجُّ تَحَلَّلَ بِطَوَافٍ وَسَعْيٍ آخَرَيْنِ، لِأَنَّ الْأَوَّلَيْنِ لَمْ يَقْصِدْهُمَا لِلْعُمْرَةِ. (وَإِنْ أَمْكَنَ الْمُحْصَرُ وُصُولًا) إلَى الْحَرَمِ (مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى) غَيْرِ الَّتِي أُحْصِرَ فِيهَا لَمْ يُبَحْ لَهُ التَّحَلُّلُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْوُصُولِ إلَى الْحَرَمِ، فَلَيْسَ بِمُحْصَرٍ، و(لَزِمَهُ) سُلُوكُهَا لِيُتِمَّ نُسُكَهُ، لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ (وَلَوْ بَعُدَتْ) تِلْكَ الطَّرِيقُ (أَوْ خَشِيَ الْفَوَاتَ)، أَيْ: فَوَاتَ الْحَجِّ. (وَمَنْ أُحْصِرَ بِمَرَضٍ أَوْ ذَهَابِ نَفَقَةٍ، أَوْ ضَلَّ الطَّرِيقَ بَقِيَ مُحْرِمًا حَتَّى يَقْدِرَ عَلَى الْبَيْتِ) لِأَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ بِالْإِحْلَالِ الِانْتِقَالَ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ خَيْرٍ مِنْهَا، وَلَا التَّخَلُّصُ مِنْ أَذًى بِهِ بِخِلَافِ حَصْرِ الْعَدُوِّ، «وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ، وَقَالَتْ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَأَنَا شَاكِيَةٌ. قَالَ حُجِّي وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي» فَلَوْ كَانَ الْمَرَضُ يُبِيحُ التَّحَلُّلَ لَمَا احْتَاجَتْ إلَى شَرْطٍ، وَحَدِيثِ: «مَنْ كُسِرَ أَوْ عَرِجَ، فَقَدْ حَلَّ»، مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ، فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ بِمُجَرَّدِهِ حَلَالًا، فَإِنْ حَمَلُوهُ عَلَى إبَاحَةِ التَّحَلُّلِ حَمَلْنَاهُ عَلَى مَا إذَا اشْتَرَطَهُ، عَلَى أَنَّ فِي الْحَدِيثِ كَلَامًا لِابْنِ عَبَّاسٍ يَرْوِيهِ، وَمَذْهَبُهُ بِخِلَافِهِ. (وَإِنْ فَاتَهُ الْحَجُّ) ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْبَيْتِ، (تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ) نَصًّا كَغَيْرِهِ (وَلَا يَنْحَرُ) مَنْ مَرِضَ أَوْ ذَهَبَتْ نَفَقَتُهُ أَوْ ضَلَّ الطَّرِيقَ (هَدْيًا إلَّا بِالْحَرَمِ) فَلَيْسَ كَالْمُحْصَرِ مِنْ عَدُوٍّ نَصًّا، فَيَبْعَثُ مَا مَعَهُ مِنْ الْهَدْيِ، فَيُذْبَحُ بِالْحَرَمِ، وَصَغِيرٍ كَبَالِغٍ فِيمَا سَبَقَ، لَكِنْ لَا يَقْضِي حَيْثُ وَجَبَ إلَّا بَعْدَ بُلُوغِهِ، وَبَعْدَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ، وَفَاسِدُ حَجٍّ فِي ذَلِكَ كَصَحِيحِهِ. (وَيُبَاحُ) لِمُحْرِمٍ (تَحَلُّلٌ) مِنْ إحْرَامٍ (لِحَاجَةٍ) إلَى (قِتَالِ عَدُوٍّ أَوْ إلَى بَذْلِ مَالٍ) كَثِيرٍ مُطْلَقًا وَمَسِيرِ كَافِرٍ وَيَجُوزُ قِتَالٌ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَإِنْ أَمْكَنَ الِانْصِرَافُ مِنْ غَيْرِ قِتَالٍ وَهُوَ أَوْلَى صَوْنًا لِدِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ. وَفِي الْإِقْنَاعِ: مَتَى كَانَتْ يَسِيرَةً وَجَبَ الْبَذْلُ، وَلَوْ لِكَافِرٍ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يُشِيرَ إلَى خِلَافِهِ. (وَنُدِبَ قِتَالُ كَافِرٍ) إنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ الظَّفَرُ بِهِ، وَلَا يَجِبُ إلَّا إذَا بَدَأَنَا بِالْقِتَالِ، أَوْ وَقَعَ النَّفِيرُ مِمَّنْ لَهُ الِاسْتِنْفَارُ فَيَتَعَيَّنُ إذْ ذَاكَ لِمَا يَأْتِي فِي الْجِهَادِ (وَمَنْ قَاتَلَ) مِنْ الْحُجَّاجِ (قَبْلَ تَحَلُّلٍ) أَوَّلٍ (وَلَبِسَ مَا تَجِبُ فِيهِ فِدْيَةٌ لِحَاجَةٍ) إلَيْهِ (جَازَ) لَهُ اللِّبْسُ (وَفَدَى) كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَلْقِ الرَّأْسِ وَتَغْطِيَتِهِ. وَإِنْ أَذِنَ الْعَدُوُّ لِلْحَاجِّ فِي الْعُبُورِ فَلَمْ يَثِقُوا بِهِمْ، فَلَهُمْ الِانْصِرَافُ وَالتَّحَلُّلُ، وَإِنْ وَثِقُوا بِهِمْ، لَزِمَهُمْ الْمُضِيُّ عَلَى الْإِحْرَامِ لِإِتْمَامِ النُّسُكِ، إذْ لَا عُذْرَ لَهُمْ إذَنْ. (وَمَنْ حُصِرَ عَنْ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَقَدْ رَمَى) الْجِمَارَ (وَحَلَقَ أَوْ قَصَّرَ، لَمْ يَجُزْ تَحَلُّلُهُ لِنَحْوِ جِمَاعٍ) وَدَوَاعِيهِ وَعَقْدِ نِكَاحٍ (حَتَّى يَطُوفَ) لِلْإِفَاضَةِ، وَيَسْعَى إنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى، وَكَذَا لَوْ حُصِرَ عَنْ السَّعْيِ فَقَطْ، لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالتَّحَلُّلِ مِنْ إحْرَامٍ تَامٍّ يُحَرِّمُ جَمِيعَ الْمَحْظُورَاتِ، وَهَذَا يُحَرِّمُ النِّسَاءَ خَاصَّةً، فَلَا يَلْحَقُ بِهِ، وَمَتَى زَالَ الْحَصْرُ أَتَى بِالطَّوَافِ وَسَعَى. (وَمَنْ حُصِرَ عَنْ) فِعْلٍ (وَاجِبٍ لَمْ يَتَحَلَّلْ) لِعَدَمِ وُرُودِهِ (وَعَلَيْهِ) لِتَرْكِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ (دَمٌ) كَمَا لَوْ تَرَكَهُ اخْتِيَارًا، وَحَجُّهُ صَحِيحٌ لِتَمَامِ أَرْكَانِهِ. (وَيَتَّجِهُ: وَيَرْجِعُ) الْمُحْصَرُ (بِهِ) أَيْ: بِالدَّمِ (عَلَى مَنْ حَصَرَهُ) لِأَنَّهُ الْمُتَسَبِّبُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ شَرَطَ فِي ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِ: أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتنِي أَوْ) قَالَ فِي ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِ: (إنْ مَرِضْت فَلِي أَنْ أَحِلَّ، خُيِّرَ بـِ) مُجَرَّدِ (وُجُودِ شَرْطِهِ) وَهُوَ الْحَبْسُ أَوْ الْمَرَضُ (بَيْنَ تَحَلُّلٍ مَجَّانًا وَ) بَيْنَ (بَقَاءٍ عَلَى إحْرَامِهِ) حَتَّى يَزُولَ عُذْرُهُ وَيُتِمَّ نُسُكَهُ (وَإِنْ قَالَ: إنْ مَرِضْت مَثَلًا فَأَنَا حَلَالٌ، حَلَّ بِمُجَرَّدِ وُجُودِهِ) أَيْ: الْمَرَضِ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا دَمَ، لِخَبَرِ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ، وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَإِنَّ لَك عَلَى رَبِّك مَا اشْتَرَطْت» وَلِأَنَّ لِلشَّرْطِ تَأْثِيرًا فِي الْعِبَادَاتِ، بِدَلِيلِ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي صُمْت شَهْرًا، لَكِنْ إنْ تَحَلَّلَ وَلَمْ يَكُنْ حَجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ، فَوُجُوبُهَا بَاقٍ لِعَدَمِ مَا يُسْقِطُهُ.

.(فَرْعٌ): [مَنْ وَقَفَ فِي غَيْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ خَطَأً]:

(لَوْ وَقَفَ النَّاسُ كُلُّهُمْ أَوْ) وَقَفُوا (إلَّا يَسِيرًا فِي غَيْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ) بِأَنْ وَقَفُوا الثَّامِنَ أَوْ الْعَاشِرَ (خَطَأً أَجْزَأَهُمْ) نَصًّا، لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ جَابِرِ بْنِ أَسِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يَوْمُ عَرَفَةَ الْيَوْمُ الَّذِي يُعَرِّفُ النَّاسُ فِيهِ» وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «فِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ، وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ» رَوَاه الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ. وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِثْلُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا قِيلَ بِالْقَضَاءِ، وَظَاهِرُهُ سَوَاءٌ أَخْطَئُوا فِي الْعَدَدِ أَوْ الرُّؤْيَةِ، أَوْ الِاجْتِهَادِ فِي الْغَيْمِ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ (وَيُجْزِئُ وُقُوفُ الْعَاشِرِ) مِنْ ذِي الْحِجَّةِ إنْ كَانَ الْخَطَأُ لِأَجْلِ إغْمَاءِ الشَّهْرِ لَا إنْ كَانَ لِتَقْصِيرِهِمْ فِي الْعَدَدِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَصِحَّ (إجْمَاعًا) لِأَنَّ الْهِلَالَ لَمَّا يَرَهُ النَّاسُ وَيَعْلَمُوهُ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الصَّوَابُ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ خَطَأٌ وَصَوَابٌ لَا يُسْتَحَبُّ الْوُقُوفُ مَرَّتَيْنِ، وَهُوَ بِدْعَةٌ لَمْ يَفْعَلْهُ السَّلَفُ، فَعَلِمَ أَنَّهُ لَا خَطَأَ. وَقَالَ: (وَلَوْ رَآهُ) أَيْ: الْهِلَالَ (طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ، وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُمْ، لَمْ يَنْفَرِدُوا بِالْوُقُوفِ، بَلْ الْوُقُوفُ مَعَ الْجُمْهُورِ) وَإِنْ أَخْطَأَ بَعْضُهُمْ فَاتَهُ الْحَجُّ، قَالَهُ الْأَصْحَابُ، وَفِي الِانْتِصَارِ وَإِنْ أَخْطَأَ عَدَدٌ يَسِيرٌ، وَفِي الْكَافِي وَالْمُجَرَّدِ: وَإِنْ أَخْطَأَ نَفَرٌ مِنْهُمْ، قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: يُقَالُ: إنَّ النَّفَرَ مَا بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إلَى الْعَشَرَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْمُنْتَهَى: وَإِنْ وَقَفَ النَّاسُ، أَوْ إلَّا يَسِيرًا، الثَّامِنَ وَالْعَاشِرَ خَطَأً أَجْزَأَهُمْ (وَاخْتَارَ فِي الْفُرُوعِ) أَنَّهُ (يَقِفُ مَنْ رَآهُ) أَيْ: الْهِلَالَ، يَقِينًا وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ (فِي) الْيَوْمِ (التَّاسِعِ) حَسْبَمَا (عِنْدَهُ) مِنْ الْيَقِينِ (وَ) يَقِفُ (مَعَ الْجُمْهُورِ) أَيْضًا لِئَلَّا يُنْسَبَ إلَى الِابْتِدَاعِ (وَهُوَ) اخْتِيَارٌ (حَسَنٌ) لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الِاحْتِيَاطِ، وَبُلُوغِ مَقْصُودِهِ بِنَفْيِ الشَّكِّ وَالِاحْتِيَاطِ.

.باب الهدي والأضاحي والعقيقة وما يتعلق بها:

(الْهَدْيُ) مِنْ: هَدَى يَهْدِي، وَمِنْ أَهْدَى يُهْدِي، وَهُوَ: (مَا يُهْدَى لِلْحَرَمِ مِنْ نَعَمٍ وَغَيْرِهَا) وَقَالَ ابْنُ الْمُنَجَّى: مَا يُذْبَحُ بِمِنًى، سُمِّيَ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ يُهْدَى إلَى اللَّهِ تَعَالَى (وَالْأُضْحِيَّةُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا، وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِهَا: (مَا يُذْبَحُ) أَيْ: يُذَكَّى (مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ) أَهْلِيَّةٍ (وَغَنَمٍ أَهْلِيَّةٍ أَيَّامَ النَّحْرِ) يَوْمَ الْعِيدِ وَتَالِيَيْهِ عَلَى مَا يَأْتِي (بِسَبَبِ الْعِيدِ) لَا لِنَحْوِ بَيْعٍ (تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى) وَيُقَالُ فِيهَا: ضَحِيَّةٌ، وَجَمْعُهَا: ضَحَايَا، وَأَضْحَاةٌ وَالْجَمْعُ أَضْحَى، وَأَجْمَعُوا عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} قَالَ جَمْعٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ: الْمُرَادُ التَّضْحِيَةُ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ، وَرُوِيَ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقَرْنَيْنِ ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكَبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (وَلَا تُجْزِئُ أُضْحِيَّةٌ مِنْ غَيْرِهَا) أَيْ: الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الْأَهْلِيَّةِ (بِأَنْوَاعِهَا، فَلَا يُجْزِئُ) فِي أُضْحِيَّةٍ (وَحْشِيٌّ وَلَا مُتَوَلِّدٌ) بَيْنَ وَحْشِيٍّ وَأَهْلِيٍّ تَغْلِيبًا لِجَانِبِ الْمَنْعِ (وَيَصِحُّ هَدْيُ كُلِّ مُتَمَوَّلٍ) مِنْ أَثَاثٍ وَسِلَاحٍ وَنَقْدٍ وَحَيَوَانٍ (وَهُوَ) أَيْ: الْهَدْيُ بِأَنْوَاعِهِ (سُنَّةٌ لِمَنْ أَتَى مَكَّةَ) ولَمْ يَأْتِهَا، لِأَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَ الْهَدْيَ، وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ» فَلَا مَفْهُومَ لِقَوْلِهِ: لِمَنْ أَتَى مَكَّةَ «وَأَهْدَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّتِهِ مِائَةَ بَدَنَةٍ» قَالَ جَابِرٌ «فِي صِفَةِ حَجِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنْ الْيَمَنِ، وَاَلَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةً وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْعَثُ بِالْهَدْيِ إلَى مَكَّةَ، وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ». (وَالْأَفْضَلُ فِيهِمَا) أَيْ: الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ (إبِلٌ فَبَقَرٌ إنْ أُخْرِجَ كَامِلًا وَإِلَّا) يُخْرِجْ كَامِلًا (فَغَنَمٌ) يُهْدِيهِ أَوْ يُضَحِّي بِهِ أَفْضَلُ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ، ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ..» الْحَدِيثَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّهَا أَكْثَرُ ثَمَنًا وَلَحْمًا وَأَنْفَعُ لِلْفُقَرَاءِ (ثُمَّ شَرَكَ سَبْعٌ) فَأَكْثَرُ (فِي بَدَنَةٍ، ثُمَّ شَرَكَ فِي بَقَرَةٍ) لِأَنَّ إرَاقَةَ الدَّمِ مَقْصُودَةٌ فِي الْأُضْحِيَّةِ، وَالْمُنْفَرِدُ تَقَرَّبَ بِإِرَاقَتِهِ كُلِّهِ، (وَ) الْأَفْضَلُ (مِنْ كُلِّ جِنْسٍ أَسْمَنُ، فَأَغْلَى ثَمَنًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَعْظِيمُهَا: اسْتِسْمَانُهَا وَاسْتِحْسَانُهَا، وَلِأَنَّهُ أَعْظَمُ لِأَجْرِهَا، وَأَكْثَرُ لِنَفْعِهَا (فَأَشْهَبُ) أَيْ: أَفْضَلُ أَلْوَانِهَا الْأَشْهَبُ (وَهُوَ: الْأَمْلَحُ، وَهُوَ: الْأَبْيَضُ) النَّقِيُّ الْبَيَاضِ، قَالَهُ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ (أَوْ مَا) فِيهِ بَيَاضٌ وَسَوَادٌ، وَ(بَيَاضُهُ أَكْثَرُ مِنْ سَوَادِهِ) قَالَ الْكِسَائِيُّ، لِحَدِيثِ مَوْلَاةِ أَبِي وَرَقَةَ بْنِ سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: «دَمُ عَفْرَاءَ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ مِنْ دَمِ سَوْدَاوَيْنِ» رَوَاه أَحْمَدُ بِمَعْنَاهُ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: دَمُ بَيْضَاءَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ سَوْدَاوَيْنِ. وَلِأَنَّهُ لَوْنُ أُضْحِيَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأَصْفَرُ فَأَسْوَدُ) أَيْ: كُلَّمَا كَانَ أَحْسَنَ لَوْنًا كَانَ أَفْضَلَ (قَالَ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ: يُعْجِبُنِي الْبَيَاضُ،
(وَقَالَ: أَكْرَهُ السَّوَادَ) انْتَهَى.
(وَجَذَعُ ضَأْنٍ أَفْضَلُ مِنْ ثَنِيِّ مَعْزٍ) قَالَ أَحْمَدُ: لَا تُعْجِبُنِي الْأُضْحِيَّةُ إلَّا بِالضَّأْنِ، وَلِأَنَّهُ أَطْيَبُ لَحْمًا مِنْ ثَنِيِّ الْمَعْزِ (وَكُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ: مِنْ جَذَعِ الضَّأْنِ، وَثَنِيِّ الْمَعْزِ (أَفْضَلُ مِنْ سُبْعِ بَدَنَةٍ أَوْ) سُبْعِ (بَقَرَةٍ وَأَفْضَلُ مِنْ إحْدَاهُمَا) أَيْ: الْبَدَنَةِ وَالْبَقَرَةِ (سَبْعُ شِيَاهٍ) لِكَثْرَةِ إرَاقَةِ الدِّمَاءِ (وَتَعَدُّدٍ فِي جِنْسٍ أَفْضَلُ مِنْ غَالٍ بِدُونِهِ) أَيْ: التَّعَدُّدِ، سَأَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ الْإِمَامَ أَحْمَدَ (فـَ) قَالَ لَهُ: (بَدَنَتَانِ) سَمِينَتَانِ (بِتِسْعَةٍ أَفْضَلُ مِنْ بَدَنَةٍ بِعَشَرَةٍ) أَمْ لَا؟ قَالَ: بَدَنَتَانِ أَعْجَبُ إلَيَّ. (وَذَكَرٌ وَأُنْثَى سَوَاءٌ) لِعُمُومِ، {لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} وَقَوْلِهِ: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} «وَأَهْدَى، النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَلًا لِأَبِي جَهْلٍ فِي أَنْفِهِ بُرَةٌ مِنْ فِضَّةٍ» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ. (وَيَتَّجِهُ: لَكِنَّ الْخَصِيَّ رَاجِحٌ) عَلَى غَيْرِهِ مِنْ النِّعَاجِ، وَصُرِّحَ بِهِ فِي الْفَائِقِ (وَالْإِقْنَاعِ) قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: الْخَصِيُّ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ النَّعْجَةِ، لِأَنَّ لَحْمَهُ أَوْفَرُ وَأَطْيَبُ، وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى هَذَا النَّصِّ، إذْ لَوْ اطَّلَعَ عَلَيْهِ لَمَا ذَكَرَهُ اتِّجَاهًا. (وَرَجَّحَ الْمُوَفَّقُ الْكَبْشَ) فِي الْأُضْحِيَّةِ (عَلَى سَائِرِ النَّعَمِ) لِأَنَّهُ أُضْحِيَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا يُجْزِئُ) فِي هَدْيٍ وَاجِبٍ وَلَا أُضْحِيَّةٍ (دُونَ جَذَعِ ضَأْنٍ) وَهُوَ (مَا لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ) كَوَامِلَ، لِحَدِيثِ: «يُجْزِئُ الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ أُضْحِيَّةً» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ. وَالْهَدْيُ مِثْلُهَا، وَيُعْرَفُ بِنَوْمِ الصُّوفِ عَلَى ظَهْرِهِ، قَالَهُ الْخِرَقِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ (وَ) لَا يُجْزِئُ دُونَ (ثَنِيِّ مَعْزٍ) وَهُوَ: (مَا لَهُ سَنَةٌ) كَامِلَةٌ، لِأَنَّهُ قَبْلَهَا لَا يُلَقِّحُ، بِخِلَافِ جَذَعِ الضَّأْنِ، فَإِنَّهُ يَنْزُو فَيُلَقِّحُ (وَ) لَا يُجْزِئُ دُونَ (ثَنِيِّ بَقَرٍ) وَهُوَ (مَا لَهُ سَنَتَانِ) كَامِلَتَانِ، (وَ) لَا يُجْزِئُ دُونَ (ثَنِيِّ إبِلٍ) وَهُوَ (مَا لَهُ خَمْسُ سِنِينَ) كَوَامِلَ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَلْقَى ثَنِيَّتَهُ. (وَتُجْزِئُ شَاةٌ عَنْ وَاحِدٍ وَ) عَنْ (أَهْلِ بَيْتِهِ وَعِيَالِهِ وَمَمَالِيكِهِ) نَصًّا، لِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ: «كَانَ الرَّجُلُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ» قَالَ فِي الشَّرْحِ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
(وَ) تُجْزِئُ (بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ عَنْ سَبْعَةٍ فَأَقَلَّ لَا أَكْثَرَ)، وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ: «نَحَرْنَا بِالْحُدَيْبِيَةِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ» رَوَاه مُسْلِمٌ. (وَيُعْتَبَرُ ذَبْحُهَا) أَيْ: الْبَدَنَةِ (عَنْهُمْ) نَصًّا لِحَدِيثِ: «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (فَلَا يُجْزِئُ اشْتِرَاكُ) جَمَاعَةٍ فِيهَا (بَعْدَ ذَبْحٍ) قَالَهُ الشِّيرَازِيُّ (أَوْ) أَيْ: وَلَا يُجْزِئُ (شِرَاءُ) بَدَنَةٍ وَنَحْوِهَا (مَذْبُوحَةً) لِأَنَّهَا ذُبِحَتْ لِلَّحْمِ لَا لِغَيْرِهِ (وَتُجْزِئُ) الْبَدَنَةُ أَوْ الْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ (لَوْ) أَرَادُوا كُلُّهُمْ قُرْبَةً، أَوْ (أَرَادَ بَعْضُهُمْ قُرْبَةً، وَأَرَادَ بَعْضُهُمْ لَحْمًا، أَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ) مُسْلِمًا وَبَعْضُهُمْ (ذِمِّيًّا) فِي قِيَاسِ قَوْلِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، قَالَهُ الْقَاضِي. (وَلَوْ ذَبَحُوهَا) أَيْ: الْبَدَنَةَ أَوْ الْبَقَرَةَ (عَلَى أَنَّهُمْ سَبْعَةٌ، فَبَانُوا ثَمَانِيَةً، ذَبَحُوا شَاهً وَأَجْزَأَتْهُمْ) الشَّاةُ مَعَ الْبَدَنَةِ أَوْ الْبَقَرَةِ، فَإِنْ بَانُوا تِسْعَةً ذَبَحُوا شَاتَيْنِ وَهَكَذَا (وَلَوْ اشْتَرَكَا) أَيْ: اثْنَانِ (فِي شَاتَيْنِ مَشَاعًا، أَجْزَأَ) ذَلِكَ عَنْهُمَا، كَمَا لَوْ ذَبَحَ كُلٌّ مِنْهُمَا شَاةً. (وَتُجْزِئُ) فِي الْهَدِيَّةِ وَالْأُضْحِيَّةِ (جَمَّاءُ، وَهِيَ: مَا خُلِقَتْ بِلَا قَرْنٍ، وَبَتْرَاءُ) وَهِيَ: (مَا لَا ذَنَبَ لَهَا خِلْقَةً، أَوْ) كَانَ ذَنَبُهَا (مَقْطُوعًا، وَ) تُجْزِئُ (صَمْعَاءُ) بِصَادٍ وَعَيْنٍ مُهْمَلَتَيْنِ، هِيَ: (صَغِيرَةُ أُذُنٍ، وَمَا خُلِقَتْ بِلَا أُذُنٍ، وَ) يُجْزِئُ (خَصِيٌّ) وَهُوَ: مَا قُطِعَتْ خُصْيَتَاهُ أَوْ سُلَّتَا، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ أَرْجَحُ مِنْ غَيْرِهِ (وَ) يُجْزِئُ (مَرْضُوضُ خُصْيَتَيْنِ) «لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ» وَالْوِجَاءُ: رَضُّ الْخُصْيَتَيْنِ، وَلِأَنَّ الْخِصَاءَ إذْهَابُ عُضْوٍ غَيْرِ مُسْتَطَابٍ يَطِيبُ اللَّحْمُ بِذَهَابِهِ وَيَسْمَنُ (وَ) تُجْزِئُ (حَامِلٌ) فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ (وَ) يُجْزِئُ كَبْشٌ (ذَاهِبٌ نِصْفُ أَلْيَتِهِ) (أَوْ) أَيْ: وَيُجْزِئُ ذَاهِبُ (نِصْفِ أُذُنِهِ أَوْ) نِصْفِ قَرْنِهِ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ، وَيَأْتِي، وَلَا يُجْزِئُ مَا ذَهَبَ (أَكْثَرُ) مِنْ نِصْفِ أَلْيَتِهِ أَوْ أُذُنِهِ أَوْ قَرْنِهِ، لِحَدِيثِ عَلِيٍّ، قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُضَحَّى بِأَعْضَبِ الْأُذُنِ وَالْقَرْنِ» قَالَ قَتَادَةُ: فَذَكَرْت ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، فَقَالَ: الْعَضْبُ النِّصْفُ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ. وَقَالَ أَحْمَدُ: الْعَضْبَاءُ: مَا ذَهَبَ أَكْثَرُ أُذُنِهَا أَوْ قَرْنِهَا، نَقَلَهُ حَنْبَلٌ، لِأَنَّ الْأَكْثَرَ كَالْكُلِّ (وَلَا) يُجْزِئُ (مَا انْكَسَرَ غِلَافُ قَرْنِهَا، وَهِيَ: الْعَصْمَاءُ) قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالتَّلْخِيصِ (وَلَا) يُجْزِئُ (مَا ذَهَبَ ثَنَايَاهَا مِنْ أَصْلِهَا، وَهِيَ: الْهَتْمَاءُ) فَلَوْ بَقِيَ مِنْ الثَّنَايَا بَقِيَّةٌ أَجْزَأَ (وَ) لَا تُجْزِئُ (مَا شَابَ وَنَشَفَ ضَرْعُهَا. وَهِيَ: الْجَدَّاءُ وَالْجَدْبَاءُ) لِأَنَّهَا أَبْلَغُ فِي الْإِخْلَالِ بِالْمَقْصُودِ مِنْ غَيْرِهَا (وَلَا) تُجْزِئُ (عَرْجَاءُ لَا تُطِيقُ مَشْيًا مَعَ صَحِيحَةٍ) إلَى الْمَرْعَى (وَلَا) تُجْزِئُ (بَيِّنَةُ الْعَوَرِ، بِأَنْ انْخَسَفَتْ عَيْنُهَا) لِلْخَبَرِ الْآتِي (وَلَا) تُجْزِئُ (قَائِمَةُ عَيْنَيْنِ مَعَ ذَهَابِ إبْصَارِهِمَا) لِأَنَّ الْعَمَى يَمْنَعُ مَشْيَهَا مَعَ رَفِيقَتِهَا، وَيَمْنَعُ مُشَارَكَتَهَا فِي الْعَلَفِ، وَفِي النَّهْيِ عَنْ الْعَوْرَاءِ تَنْبِيهٌ عَلَى النَّهْيِ عَنْ الْعَمْيَاءِ. (وَلَا) تُجْزِئُ (عَجْفَاءُ لَا تُنْقِي) بِضَمِّ التَّاءِ، وَكَسْرِ الْقَافِ (وَهِيَ: الْهَزِيلَةُ الَّتِي لَا مُخَّ فِيهَا، وَلَا بَيِّنَةُ الْمَرَضِ بِجَرَبٍ أَوْ غَيْرِهِ) لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: «قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَرْبَعٌ لَا تَجُوزُ فِي الْأَضَاحِيِّ الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي» رَوَاه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ. فَإِنْ كَانَ عَلَى عَيْنِهَا بَيَاضٌ، وَلَمْ يَذْهَبْ أَجْزَأَتْ، لِأَنَّ عَوَرَهَا لَيْسَ بِبَيِّنٍ، وَلَا يَنْقُصُ بِهِ لَحْمُهَا (وَلَا) يُجْزِئُ (خَصِيٌّ مَجْبُوبٌ) وَهُوَ: مَا قُطِعَ ذَكَرُهُ وَأُنْثَيَاهُ، نَصًّا، فَإِنْ قُطِعَتْ أُنْثَيَاهُ فَقَطْ، أَوْ سُلَّتَا أَوْ رُضَّتَا أَوْ قُطِعَ ذَكَرُهُ فَقَطْ، أَجْزَأَ (أَوْ) أَيْ: وَلَا يُجْزِئُ (غَيْرُ مِلْكِهِ وَلَوْ أُجِيزَ بَعْدُ) لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ. (وَكُرِهَ مَعِيبَةُ أُذُنٍ وَقَرْنٍ بِخَرْقٍ أَوْ شَقٍّ أَوْ قَطْعِ نِصْفٍ فَأَقَلَّ، وَهِيَ: الْعَضْبَاءُ) لِحَدِيثِ عَلِيٍّ: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ، وَأَنْ لَا نُضَحِّيَ بِمُقَابَلَةٍ وَلَا مُدَابَرَةٍ، وَلَا خَرْقَاءَ وَلَا شَرْقَاءَ» قَالَ زُهَيْرٌ: قُلْت لِأَبِي إِسْحَاقَ: مَا الْمُقَابَلَةُ؟ قَالَ: تَقْطَعُ طَرَفَ الْأُذُنِ، قُلْت: فَمَا الْمُدَابَرَةُ؟ قَالَ: تَقْطَعُ مِنْ مُؤَخَّرِ الْأُذُنِ، قُلْت: فَمَا الْخَرْقَاءُ؟ قَالَ: تَشُقُّ الْأُذُنَ، قُلْت: فَمَا الشَّرْقَاءُ؟ قَالَ تَشُقُّ أُذُنَهَا لِلسِّمَةِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَهَذَا نَهْيُ تَنْزِيهٍ، فَيَحْصُلُ الْإِجْزَاءُ بِهَا، لِأَنَّ اشْتِرَاطَ السَّلَامَةِ مِنْ ذَلِكَ يَشُقُّ، وَلَا يَكَادُ يُوجَدُ سَالِمٌ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ. (وَيَتَّجِهُ): بِـ (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ: أَنَّ مَقْطُوعَةَ نِصْفِ (الْأَلْيَةِ كَذَلِكَ) أَيْ: تُكْرَهُ مَعَ الْإِجْزَاءِ، لِمَا فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: اخْتِيَارُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ: لَا بَأْسَ بِكُلِّ نَقْصٍ دُونَ النِّصْفِ، قَالَ: وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ، فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ النِّصْفَ يَكْرَهُهُ، وَهُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الْإِنْصَافِ وَغَيْرِهِ، وَاحْتَمَلَ أَنَّهَا تُكْرَهُ حَامِلًا، لِلْخِلَافِ فِي عَدَمِ إجْزَائِهَا، لَكِنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ أَنَّ الْحَمْلَ لَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ، قِيلَ لِلْقَاضِي فِي الْخِلَافِ: الْحَامِلُ لَا تُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ، فَكَذَلِكَ فِي الزَّكَاةِ؟ فَقَالَ: الْقَصْدُ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ اللَّحْمُ، وَالْحَمْلُ يُنْقِصُ اللَّحْمَ، وَالْقَصْدُ مِنْ الزَّكَاةِ الدَّرُّ وَالنَّسْلُ، وَالْحَامِلُ أَقْرَبُ إلَى ذَلِكَ مِنْ الْحَائِلِ فَأَجْزَأَتْ. وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ هَذَا الِاتِّجَاهَ مَسْبُوقٌ إلَيْهِ.